روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | الأخلاق.. ومبلغ عناية الشارع بها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > الأخلاق.. ومبلغ عناية الشارع بها


  الأخلاق.. ومبلغ عناية الشارع بها
     عدد مرات المشاهدة: 2491        عدد مرات الإرسال: 0

إنَّ أمر الأخلاق في بناء صرح مجد الأمم عجيب؛ إذ عليها مدار عظمة الأمة أو حقارتها، وبها وحدها يقاسُ شأنها بين الأمم.

أخلاقُ الأمة نبراس كمالِها، ومعدن حيويتها، وعلى الأخلاق تدور رحاها، ولله در شاعر الكنانة في قوله:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وعلى هذا الأساس المتين، والركن الركين، بنى سيدنا الأعظم ورسولنا الأكرم، ما جاء به من حكمة وتشريع، يرشد إليه قوله: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

ولا جرم فإن من نظرة جامعة في أصول الشريعة وفروعها، وجدها تدور حول هذا المحور فهو قطبُ دائرتها، وسرُّ عظمتها، الذي به دوامها، وكونها الشريعة التي لا يعتريها نسخ، ولا تبديل، ولو أردنا في هذه العجالة سرد ما جاء في الشريعة من نصوص تدل على اعتبار هذا الأصل الأصيل لضاق بنا نطاق هذا الجزء، دون استيفائها، ولنكتف هنا بالآية الجامعة لأصول مكارم الشيم، وذروة سنامها؛ فإن فيها وحدها ما فيه لأولي الألباب عبرة وذكرى، وما يقلها إلا العالمون، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].

فإن من وقف عند حدودِ هذه الآية، وارتاضت نفسه بفهم معانيها، علم لا محالة مقدار ارتباط الأخلاق بلبِّ التشريع الإسلامي، حتى أرجعت هذه الآية ما يأمر به الشارع إلى أصول خير الثلاثة: العدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وما ينهى عنه إلى أصول الشر: الفواحش، والبغي، والمنكر، ولا شك أن الأوامر والنواهي ترجع إليهما جميع فصول الشريعة الإسلامية، وتنتهي إليهما أحكام الملة المحمدية، لقد نوهت شريعتنا السمحة بأمر الخلق الحسن، ووضعته بالمكان اللائق به من عنايتها، لذا ترى في نصوص الشريعة ما يفيد أن تكوين الأخلاق الطاهرة وبث الشريعة، واستقصاء أبوابها، سواء في ذلك ما كان متعلقًا بالعقائد، أو كان متعلقًا بالعبادات، أو كان متعلقًا بأنواع المعاملات، ما كان من ذلك راجعًا لنظام الفرد أو لنظام الأسرة، أو لنظام الأسرة، أو لنظام المجتمع الإسلامي، التي حرصت على تنظيم علاقاته، على أساس الفضيلة والكمال.

وسنتولى إن شاء الله درس ذلك، وتتبع علاقات فصول الشريعة بالأخلاق، وكونها الأساس الذي انبنى عليه التشريع، والروح المرادة منه.

ففي باب العقائد دعت إلى عقيدة ثابتة تتحرر معها العقول من قيود التقليد الأعمى، وتتخلص بها النفس الإنسانية، من أثقال دعت إليها عادات، قديمة سيئة، أو أغراض انتفاعية، يتحمل المجموع شرها لنفع فرد أو قبيلة، دعت الكل للتخلص من داء الوساطة المعنوية، واعتبار الشخص نفسه أحقر من أن يواجه ربه ومولاه، بشخصه ومعناه؛ فهو لا يعبأ به ولا يسمع نداءه، ما لم يتوجه إليه بمقرب إليه، أو وجيه عنده، فنشأت عن ذلك بتطاول الأزمان عقيدة الشرك والوثنية، وانحطت بسببها أمم إلى دركات الجهل والهوان، حتى كادت تحلق بأحقر أنواع الحيوان.

والحال أن الله قد فضل هذا النوع من المخلوقات بالعقل الذي به تحمل من الأمانة ما عجز عن تحمله الأرض والسموات، فجعلت العبد أهلًا بذاته إلى أن يتقدم إلى ربه، يسأله حاجاته، ولا يحتاج إلى من يقربه إليه زلفى، وإنما جعلت لذلك شرطًا وهو الإخلاص في التوجه، وتطهير النفس من أدران الشرك، وملاحظة المنافع الشخصية، قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وجعلت قضاء الأشياء وتدبيرها بيده وحده، ليس له عليه معين أو وزير، بيده الأمر وهو على كل شيء قدير، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، فقررت بذلك أصلًا من أصول الاستقلال الفردي، والاعتماد على النفس، وفي ذلك تقرير لخلق العزة، وما أدراك العزة، العزة هي الشعور بالاستغناء عن الخلق، وأن ليس لأحد حق التعاظم عليك، واستصغارك لأنك في حاجة إليه، وقد وصف الله تعالى نفسه، ووصف رسوله وعباده المؤمنين بهذا الوصف العظيم، تنويهًا بشأنه، وتذكيرًا لعباده، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8]، وقد كان هذا حال المؤمنين الأولين، وبه نشروا عَلَم الإسلام خفاقًا على أقطار المعمور، وبانعدام هذا الوصف منهم صغروا وضعف شأنهم بين الأمم، وصاروا عبيد أذلاء، بعد أن كانوا ملوكًا أعزاء، كما نشأت عن هذه العقيدة الخالدة معنى استواء الخلق أمام عظمة الخالق، وأن ليس لأحد على آخر حق، إلا فضيلة التقوى والعمل النافع المفيد، وأن الجميع أمام الحق سواء، ومن أكبر مظاهر هذا الاستواء، حال المسلمين وهم في المسجد، يؤدون فريضة الصلاة، وفي مكة يحجون البيت الحرام، أفتجد فيهم فاضلًا ومفضولًا، ولا غرو فقد جعل الله المؤمنين إخوة لا تفاوت بنيهم، إلا بقدر ما يتفاضلون به من الحق، فلقد قال عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع: «أيها الناس! إنما المؤمنون إخوة، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى».

وقد روي عن ابن عباس أن أحد الموالي خطب إلى جماعة من بني بياضة، وأشار عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بتزويجه، فقالوا له: يا رسول الله! أنزوج بناتنا موالينا، فنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

 

الكاتب: محمد الهادي بن القاضي.

 

المصدر: موقع رسالة الإسلام.